رمضان 2012 - بركان دمشق - وسام شهلا

 

حي الميدان الدمشقي - مصادر مفتوحة


رمضان 2012 - بركان دمشق

وسام شهلا

اشتعلت دمشق، هذه المرة بصوت النار والحديد، قصف واشتباكات وعناصر جيش حر تتجول في قلب أحياء دمشق، بعد أن دخل الجيش الحر في مواجهة عسكرية مع قوات النظام داخل حي الميدان الدمشقي، ففي تاريخ 15 تموز 2012، أطلق الجيش الحر معركة بركان دمشق، سيطر من خلالها على نصف حي الميدان في العاصمة، ثم بعد يومين، أطلق الجيش الحر عنوان أكبر لمعركة مفتوحة مع النظام، تحت اسم بركان دمشق زلزال سوريا، بغية قطع طرق الطرق الدولية، ومؤازرة ثوار الميدان.

كنت على علم بتجهيزات كتائب الميدان العسكرية، والتي كانت تقوم بالتجهيز لعمل عسكري ضد النظام داخل العاصمة دمشق، انطلاقاً من حي الميدان، إلا أن خلل في الخطة، انكشفت على أثره نوايا الجيش الحر، ما اضطر الفصائل العسكرية المعارضة بالدخول على عجالة إلى عمق دمشق، قادمة من الغوطة الشرقية مرورًا بجنوب دمشق ومخيم اليرموك، وعكس ما روّج له سابقًا، لم يكن لأبو علي خبية (لواء شهداء دوما) أي تنسيق في العملية، إذ دخل اللواء إلى حي الميدان بعد يوم من سيطرة الجيش الحر عليه وقاتلت مجموعاته النظام بشراسة هناك، وقدموا الشهداء، لكن للتاريخ، الأمر كان في البداية محصور في أبناء حي الميدان، ثم بعض الكتائب من الغوطة الشرقية، ومن أبرز الكتائب التي دخلت الحي هي كتيبة معاوية بن أبي سفيان، وكتيبة العدالة وهما كتيبتان من أبناء حي الميدان، ثم كتيبة أبو الليث شبعا، وغيرها من المجموعات من جنوب دمشق والغوطة.

رمضان 2012

دخل رمضان يوميه الأول مع انسحاب الجيش الحر مساءً من حي الميدان 5 تموز 2012، تفاصيل كثيرة عن ذلك اليوم، إلا أنني وباختصار أقول أن المعركة كانت استباقية، ولم يكن مخطط لها بأن تحدث بهذا الشكل، لكن لأجل حماية مستودعات الأسلحة، والنقاط الطبية، والعناصر المختبئة في الحي بشكل رئيسي، قام الجيش الحر بالدخول إلى الحي، واستطاعت كتائب الميدان من إنقاذ خلاياها ومستودعاتها داخل الحي، إلا أن بعض من عناصر منشقين الذين كانوا خلايا نائمة في الحي تمكن النظام من اعتقالهم قبل أيام من المعركة، ولم يستطع الجيش الحر من فك أسرهم.

كنت في ذلك الوقت في حي السيدة عائشة، وبرفقة مجموعة من ثوار الحي، تمكنا من تأمين طريق المنسحبين عبر حي الثريا، ثم وصولًا إلى حي السيدة عائشة، وبعد يومين من الاستراحة، قررت الكتائب الانسحاب من حي السيدة عائشة وتوجهوا إلى درايا، ومنهم من غادر باتجاه جنوب دمشق ثم عادوا إلى الغوطة الشرقية كما حدث مع كتيبة معاوية. خلال تواجد الجيش الحر في حي الميدان، تجولت برفقة صديقة لي من الهلال الأحمر داخل دمشق، ركبنا سيارة الهلال وتوجهنا إلى قلب دمشق، كانت المدينة مشلولة بالكامل، لا بيع ولا شراء، طرقات فارغة وأناس في منازلهم، والخوف والانتظار واضح على سكان المدينة، شاهدت عند دوار البرامكة سيارة للجيش الحر تتجول، وعندما اقتربنا من ساحة باب مصلى، شاهدنا دبابات وعتاد عسكري ضخم، ومئات من الجند ينتشرون خلف المساتر، في حين أن الجيش الحر كان مازال عند مخفر الميدان، والذي يعرف بالمنطقة، يعلم بأن هناك مسافة كبيرة حتى باب مصلى وفرع الأمن الجنائي، ولو تمكن الجيش الحر من الوصول إلى تلك الساحة، لدخل في عمق الأحياء الشرقية من العاصمة، لكن قدر الله. كانت أصوات الاشتباكات قادمة من أحياء التضامن، والقدم، والعسالي، والحجر الأسود، بالإضافة إلى بساتين اللوان في كفر سوسة والسيدة عائشة، مع الميدان، وصولًا إلى درايا، كانت منطقة محررة بالكامل، وهي من أهم المناطق في دمشق، إذ يُعد حي الميدان امتدادًا إلى حارات دمشق الضيقة، كما تُعد باقي الأحياء التي تحررت أو اشتعلت بها اشتباكات خاصرة دمشق الجنوبية الغربية، كما خرج أوتوستراد دمشق درعا القديم والجديد عن الخدمة، وانعكست على المعركة على مناطق غرب دمشق وصولا إلى درعا، حيث دارات اشتباكات على طريق الأوتوستراد من جهة حي السيدة عائشة، وحي القدم.

أصاب دمشق في رمضان 2012 حالة من الشلل، وكنا قد فرحنا بما حدث، لكننا جهلنا ما ستصير إليه الأمور، وكيف سيكون انتقام النظام.

انتقام النظام

دخلت دبابات وقوات النظام إلى حي الميدان بعد انسحاب الجيش الحر منه طواعية وليس لسبب آخر، إذ كان قرار الانسحاب بعد حصار الحي لمدة خمسة أيام، وهي أول تجربة حصار عاشها الجيش الحر في دمشق وريفها، كان الانسحاب من حي الميدان فوضوي، إذ سقط قتلى بالخطأ أثناء الانسحاب، حيث توجهت بعض مجموعات لواء شهداء دوما المنسحبة إلى طرق انسحاب أدت بهم إلى معقل الشبيحة قرب حي الزاهرة وحي الجورة، وهذه أحياء مليئة بالشبيحة تمكنوا من قتل عدد من عناصر الجيش الحر المنسحبة. استكملت قوات النظام على رأسها الفرقة الرابعة وقوات الحرس الجمهوري، مدعومة من جميع الأفرع الأمنية، استكملت هذه القوات تمشيط المنطقة إيى حي الثريا، ثم السيدة عائشة، وهناك ارتكبت أولى مجازرها بحق ناشطي الحي، خمسة شهداء تم قتلهم ميدانيًا، ثم وصولوا إلى بساتين اللوان، فارتكبوا مجزرة إضافية هناك، راح ضحيتها قرابة 20 شخص، فدخلوا بعدها داريا، وارتكبوا مجزرة داريا الشهيرة في شهر آب 2012، ثم توجهت قوات النظام إلى جنوب دمشق، استعادت السيطرة على جميع الأحياء وصولاً إلى مشارف الغوطة الشرقية من جهة طريق مطار دمشق الدولي، وما استطعت توثيقه، فقد ارتكبت تلك القوات مجازر في معظم تلك الأحياء، في القدم، ثم في الحجر الأسود، ثم بلدة يلدا، ثم البويضة والهريرة، والأشهر كانت مجزرة الذيابية.

لم تكن معركة الميدان (بركان دمشق) معركة عابرة، فقد غيرت خارطة دمشق الأمنية والعسكرية، ورسمت حدود الانتشار العسكري والحواجز داخل دمشق، وبالرغم من أن المعركة أحدثت خرق كبير داخل دمشق، إلا أنها كشفت مدى صلابة الأجهزى الأمنية في النظام، وحدود الإجرام لديها، وعَرف الدمشقيون بأنهم سجناء داخل مدينتهم، ولا سبيل للحرية إلا بتوحيد الجيش الحر في الريف ثم إعادة الكرة من جديد، بشكل منظم، وهذا ما لم يحدث قط.

عندما وصلنا إلى الغوطة، نزلنا إلى منطقة دير العصافير، فاحتفل بنا أهالي البلدة، وهتفوا لنا، وقدموا للجيش الحر أطيب الطعام وأفضل الشراب، وأكرمونا هناك، كانوا يقولون لنا، "أنتو شوام طنطات، شو جابكن لهون"، قال يعني هنن مو شوام.

تعريف الارتباط

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.