دليل أبو كرم للمحاصرين، البحث الليلي أنموذجاً - وسام شهلا

حي التضامن بدمشق - عدسة وسام شهلا

دليل أبو كرم للمحاصرين، البحث الليلي أنموذجاً

وسام شهلا

1- في الليل، لا يشاركني سكان هذا الحي البحث، أكره الفوضى، أنا وهذه المنازل الفارغة وحدنا في مهمة البحث. القادمون الباحثون في الصباح، فوضويون، يفتقرون مهارة (الكوكشة) البحث، وكثيرًا ما يتركون أشياءًا صالحة للأكل، ففي الأمس وجدت بقايا مربى المشمش في وعاء تحت سرير طفل، لك أن تتخيل يعني. وإذا أحسست بأن أحدًا معي داخل أي منزل، أخرج فورًا وأنتظره ليخرج، ثم أعود وأبحث بهدوء، فالطعام لا يحب الفوضى والفوضويين، بقايا الطعام منعزلة، وأنا كذلك.

2- البحث عن شيء يؤكل، مهمة صعبة ودقيقة في أيام الحصار، تحتاج العملية إلى تركيز وعدم تشتيت البصر، لذلك، أنا استخدم مصباح على رأسي، أينما وجهت نظري تسقط بقعة الضوء في المكان المحدد فقط، بإطار معين من الضوء أبحث فيه عن حاجتي، دون أن أعرّض بصري وتركيزي على أشياء خارج بقعة الضوء، وبذلك أنا أحتاج إلى ضيق الأفق البصري، لا الواسع العريض، ففي يوم قبل أمس، فتحت خزانة محترقة جزئيًا في منزل قصفته المدفعية، كان بداخلها ألبسة أطفال، والبسة رجالية وغيرها، كانت قد تأثرت قليلًا، بحثت عن معطف رجال لي، ثم قمت بإزاحة جميع ملابس الأطفال حتى أرى عمق الخزانة، فوجدت قليلًا من الفريكة (قمح أخضر مشوي)، وحدسي لهذه الحادثة يقول بأن طفلًا ما في هذا المنزل كان يلعب بالفريكة، ووضعها في خزانته معتبرها كأحد أشياءه، شكرًا لأشياؤك يا حبيبي. المهم، لولا حدسي وبقعة الضوء لضيعت وقتي في تصليح الخزانة أو بتجربة أي المعاطف أحلى وافضل.

3- أهم شيء في البحث الليلي، هو أن أحصل على جائزتي في نهاية المهمة، فخلال البحث أحرص بأن أجمع قراميع الدخان (أعقاب السجائر)، في البداية كنت أجدها بسهولة في أطراف المنازل والسلل المهملات، لكن مع دخول وحوش النهار (يقصد الباحثين عن طعام في النهار)، باتت العملية أصعب، وبطبيعة الحال، هم غير محترفين كأبو كرمو (يمدح نفسه)، لدي تكتيك بحثي خاص، وعلى سبيل المثال؛ دخلت غرفة شاب أعزب على سطح أحد البنايات في شارع الثلاثين في اليرموك، غرفة شاب سكير خمير بتاع بنات الله يستر عليه، في غرفته لم يكن يوجد أي أثر لطعام، مشاريب روحية وملصقات لفنانات ومغنيات مشهورات، سرير ومكتب، وكتب للشعر ودواوين درويش ونزار قباني، وفي مقابل فراشه تلفاز تحته جهاز فيديو CD غير متطور، وعلى جنب السرير ستارة خلفها نافذة وحافة رخامية بقدر 10 سنتمتر، تخيلت أمام هذا المشهد أن صديقنا المثقف كان مستلقي يشاهد مسلسلًا أو فيلم سينما، يشرب ما بيده ويدخن سجائره، أين يضعها أو يرميها؟ في صحن سجائر قرب السرير، لا يوجد!، إذا يرميها من النافذة؟ نعم، أزحت الستارة ووجدت كنزي الثمين، خرجت من الغرفة بخمسة سجائر كاملة. الفطنة يا صديقي هدية الله للمحاصرين، لا يمكن أن تكون مُحاصر بلا فطنة، ستموت حتماً.

سألته؛ وماذا تفعل في النهار، بتقضيها نوم!
- لا، أنا قناص مع الجيش الحر.

"قصة حقيقية خلال أيام الحصار في جنوب دمشق، والصورة تصويري لمنطقة زليخة بحي التضامن - دمشق"
تعريف الارتباط

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.