مع امتداد الحرائق إلى سوريا.. هل سيحترق نظام الأسد


مع امتداد الحرائق إلى سوريا.. هل سيحترق نظام الأسد

زكي الدروبي

أسابيع قليلة تفصلنا عن تنصيب ترامب الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية في 21 يناير من العام القادم، والذي سيحدد مسار وخطط نتنياهو لإعادة صياغة المنطقة وفق منظوره للأمن القومي الإسرائيلي، ووفق مصالحه في الهروب من استحقاق عملية طوفان الأقصى، واستعادة مكانته والإبقاء على حكومته حتى الانتخابات الإسرائيلية القادمة، فبعد الذي حصل في 7 أكتوبر 2023، والإهانة الكبيرة التي تلقتها إسرائيل، والخطر الوجودي الذي شعرت به، قرر نتنياهو استعادة هيبة إسرائيل والردع الذي يحميها، وسعى للقضاء على تهديد أذرع إيران في المنطقة، وتقويض برنامج إيران النووي والصاروخي الذي يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، وبعد أكثر من سنة، لازال هناك اختلاف بين المحللين حول مدى نجاحه بتحقيق أهدافه.

ورغم أن التركيز الأكبر في العمليات العسكرية يطال اليوم جنوب لبنان، لكنه لم يمنع من انتقال القصف باتجاه الأراضي السورية مؤخراً، عبر قصف منطقة القصير التي هجر حزب الله سكانها السوريين بعام 2013، واستولى عليها لتكون قاعدة عسكرية له ولزراعة الحشيش، ويُسكِن فيها اليوم حاضنته التي تهجرت من قراها ومدنها بعد انطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله، عدا عن العمليات الاستخباراتية التي كانت تتم بتواتر مستمر خلال العام الماضي – (أكثر من 50 غارة جوية تم الإبلاغ عنها منذ تموز/يوليو) حسب لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا – استهدفت فيه إسرائيل كوادر الحزب وإيران في سوريا، والشحنات العسكرية التي كانت ترد من إيران إلى الحزب براً عبر سوريا، ومستودعات السلاح التابعة لهذه المليشيات. كما حصل قصف متبادل بين إيران وإسرائيل، اختلف المراقبون في تحديد أهمية ما حدث وجدواه.

الموقف العالمي والإقليمي:

اجتمعت المواقف السياسية المعلنة على رفض العمل العسكري الذي تقوم به إسرائيل تجاه غزة، ومن ثم لبنان، والقصف المتبادل بين إسرائيل وإيران، مع تباين في مستوى الرفض، خصوصاً مع دول أوروبا وأمريكا، والتي أيدت “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، ودعت إلى التهدئة والمفاوضات كسبيل للوصول إلى حل.

كان اللافت، المواقف السياسية العربية خصوصاً الخليجية، التي أدانت الهجوم الإسرائيلي على إيران، على عكس المواقف السياسية لحليفي إيران، روسيا والصين، والتي تجمعها معهما اتفاقيات تعاون استراتيجية، والذين اكتفوا بإصدار بيانات تدعو للتهدئة وخفض التوتر دون إدانة القصف.
فقد أدانت كلا من السعودية والإمارات “الاستهداف العسكري” لإيران دون الإشارة إلى إسرائيل بشكل صريح، وكذلك أدانت الدوحة وسلطنة عمان والبحرين والكويت والأردن استهداف إسرائيل لإيران، بينما شعرت القاهرة بالقلق البالغ إزاء “حالة التصعيد الخطيرة والمتسارعة” في الشرق الأوسط، واستنكرت “كل الإجراءات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة”.

وبنفس الحدة وأكثر أدانت تركيا الهجوم الإسرائيلي على إيران، وكل العمليات السابقة، وحذرت من التداعيات السلبية للتوتر بين إسرائيل وإيران على الاستقرار بالمنطقة.

في المقابل لم تُدن لا بكين ولا موسكو هجوم إسرائيل واكتفتا بإصدار بيانات تدعو إلى التهدئة، وخفض التوتر، وكان موقفهم أقرب لموقف بعض الدول الأوروبية.

طبعا كان موقف أمريكا داعماً بالمطلق لإسرائيل، وبسبب عدم رغبة نتنياهو بالمقامرة، والتدخل بملف الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لتقارب النتائج بين ترامب وهاريس، ركن هذه المرة في ضربته لإيران لتوجيهات إدارة بايدن، ولم يتجاوز – كعادته – الخطوط الحمراء التي وضعتها له.

سيناريوهات امتداد المعركة إلى سوريا:

لا زال نتنياهو مستمراً في خطته التصعيدية ضد ميليشيات إيران في المنطقة، مستغلاً انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بانتخاباتها، وقام بتدمير معظم القرى والبلدات الجنوبية بقصف طيرانه خلال العام الماضي، واليوم انتقل لتدمير الضاحية الجنوبية لبيروت، المعقل الرئيسي لحزب الله، وأماكن أخرى في البقاع اللبناني، وتركزت العمليات أكثر في الأيام الماضية على مدينة بعلبك، والتي أصبحت شبه مدينة أشباح، بعد أن غادرها معظم سكانها خوفاً من القصف الإسرائيلي، ودخلت القوات الإسرائيلية براً على طول شريط الحدود الجنوبي اللبناني، ونفذت عمليات تدمير لمستودعات وأنفاق لميليشيا حزب الله.

أعتقد أن المقرر في استمرار المعارك تجاه سوريا، أو أبعد منها، هو ما ستسفر عنه نتائج الصندوق الأمريكي في الخامس من هذا الشهر، ورؤية الإدارة الفائزة للحل بما يحقق ضمان الأمن القومي الإسرائيلي، دون الدخول في حروب أخرى.

فقد تسمح الإدارة الأمريكية لنتنياهو بالتمدد باتجاه المليشيات والأذرع الإيرانية في سوريا، أو حتى باتجاه إيران نفسها، خصوصاً أن الخطر الإيراني أصبح يمس أوروبا نفسها بسبب صواريخها بعيدة المدى.

وقد تجد الإدارة المقبلة أنه حان الوقت لإيقاف العمل العسكري، والانتقال إلى الضغط الاقتصادي، والعودة إلى الحرب الشبحية التي كانت تنفذها إسرائيل، بحيث تترك بصماتها على العمليات الموجهة ضد إيران، دون أن تتبنى العمل بشكل رسمي.

تأثير التغيرات الجيوسياسية على نظام الأسد:

لا شك أن ما حصل قد أضعف نظام الأسد، فالضربة الثقيلة التي تعرضت لها ميليشيا حزب الله، أفقدته حليفاً مهماً على الأرض، وسعيه للنأي بالنفس، وتنفيذ المطالب الروسية بالابتعاد عن هذه الحرب، خلق حساسية بينه وبين فرقاء محور المقاومة الذي ينتمي إليه، وأوجدت مشكلة بينه وبين إيران، والابتعاد عن إيران سيكون له تداعيات خطيرة عليه بشكل شخصي، رغم حاجة إيران له، فشرعية وجودها وميليشياتها مستمدة من وجوده، ورحيله بأي طريقة يهدد شرعية وجودها، وهذا لا يعني أنها قد تختلق شكلاً ما يمكن أن يحقق لها شرعية التواجد في سوريا، كما فعلت مع الحوثي في اليمن بعد أن قتلت عبد الله صالح.

في المقابل، فالانخراط في المحور الإيراني يعني ضربة مباشرة من إسرائيل تجاهه، خصوصاً بعد التحذيرات المتعددة التي وصلته، سواء عبر رسائل من ديبلوماسيين أو بتصريحات إعلامية علنية من قادة إسرائيل، أو رسائل عبر النار.

واستمرار الصراع العسكري والقضاء على ميليشيات إيران يعني إضعاف النظام، لكن لا يعني إسقاطه عبر عمل عسكري، فحدود مناطق النفوذ مرسومة بدقة بتفاهمات قوى إقليمية ودولية، ولا يمكن تغيير الواقع الحالي إلا بتفاهمات جديدة، وهذا غير مطروح حالياً، وسيؤدي أيضاً لتفاقم الأزمة الإنسانية بسوريا، وقد يخلق صراعات بين السكان الأصليين وحاضنة حزب الله الهاربة من الحرب.
طرح بعض المحللين إمكانية تعزيز خطوط التماس الحالية لتقسيم سوريا بشكل فعلي، لكن لا أحد متحمس حالياً لتغيير الحدود، وخلق دول جديدة.

يعتقد نظام الأسد أنه يشتري الوقت، ويحاول المماطلة والتسويف باللعب على الحبال المختلفة، وإظهار حياديته في هذه الحرب، ومحاولته الإيهام بسعيه لإضعاف النفوذ الإيراني، وإيقاف نشاط الميليشيات التابعة لإيران في سوريا، من خلال التسريبات التي تنشرها وسائل الإعلام المختلفة عن تقييده لنشاط عناصر حزب الله وميليشيات إيران، ومصادرة مستودعات أسلحة تابعة لهم، وغيرها من أخبار تهدف إظهار سعيه لإضعاف إيران وميليشياتها في سوريا، لكن لحظة الحقيقة ستأتي حتماً، بعد وصول الصراع إلى ذروته، وعدم وجود ما يمكن أن يقدمه النظام لتحقيق المهام المرجوة منه، وإن كان النظام الذي أسسه حافظ الأسد وورثه ابنه بشار أنشأ علاقة تخادم بينه وبين إسرائيل، واستطاعت أن تحمي نظامه، وتسمح له بالاستدامة، لخدمة مصالحها، وأمنها القومي، لكن قد يتم الانتهاء منه واستبداله، لأنه وصل لمرحلة لم يعد قادراً فيها على تقديم خدمات حماية إسرائيل، وأصبح هناك ضرورة لقيام نظام إقليمي جديد، وسيتم تغييره.

في ظل كل الصراع الموجود، لازال الشعب السوري – الذي يعيش في المنافي أو تحت حكم سلطات الأمر الواقع – لا يملك كلمة أو يؤخذ رأيه في أي حل قادم لسوريا، والذي يفترض توافقات إقليمية ودولية صعبة التحقيق في المدى المنظور وفق الوقائع الحالية.
تعريف الارتباط

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.